الخيالُ العِلْمِي في المَغرِب!
كاتِبُ هذه السّطُور مَسْكُونُ بالرّبطِ بين "العِلْمِ والأدَب"، وهذا أَثمَرَ لدَيْهِ ما يُعرَفُ بالخَيالِ العِلْمِي الذي يَتطلّبُ إعادةَ قراءتِه بين الفينةِ والأُخرَى، اعتِبارًا للتّطوُّراتِ العِلميّة التي تَحصُلُ بِشكلٍ أو آخَر، على امتِداداتِ أمْكِنةٍ وأزمِنَة.. وهذه إطلالةٌ ذاتيّةٌ على تَجرِبتِي واستِنتاجِي منذ أن صَدَرتْ لي عام 1985 - بالقُنيطرة - مَجمُوعتِي القَصَصيّة الأُولَى "غَدًا" عن دار البُوكِيلِي..
ومِن رُوّادِ هذا اللّون، الذي يُطلَقُ عليهِ "الأدَبُ المُستَقبَلِي"، بَرزَ اسْمُ أديبِنَا الكبِير "أحمد عبد السلام البقّالي"، برِوَايَتِه "الطُّوفانُ الأزرَق" التي صَدَرت لهُ بتُونس عام 1976..
■ في تَجرِبَتِي: حُضورُ الكاريكاتير بفَنّانَيْن:
"العربي الصَّبّان"، برُسُوماتِه في مجمُوعةِ "غدًا"..
وفي كُتَيّبِ "اعتِرافاتُ رُوبوت" رَسْمٌ للغِلاف برِيشَةِ الفنّان "مُوح الهاشمي"..
ودُخولُ الكاريكاتير والفنّ التّشكِيليّ في إنتَاجِي هذا، يَعنِي أنّ الفنّانيْنِ شَرِيكَان ولهُما الفضلُ في تَوضِيحِ إنتاجي القَصَصِيّ..
▪︎ وبَعدَها كتَبتُ نُصُوصًا أُخرَى، في نفسِ أدبِ "الخيالِ العِلمي"، بَعضُها قَصَصٌ قصيرةٌ لم تُنشَر لحدّ الآن.. كما أصدَرتُ رِوَايَتيْن: "أبناءُ الشّمس" (عام 2005)، و"قاع الدّنيا" (سَنَة 2007)، وهذه الأخيرةُ طبَعَتها "وزارةُ الثّقافةِ المَغربيّة" لدَى "البُوكيلي للطّباعةِ والنّشرِ والتّوزيع" بمدينة القُنَيطِرة..
▪︎ وأعتَزِمُ إصدارَ باقي القصَصِ التي لم تُنشَر، بعدَ تحدِيثِها وتَنقِيحِها، اعتِبارًا لكَونِ العُلُومِ الوارِدة قد تطوّرَت وأَدَخَلَتْ على الخطّ مُعطَياتٍ عِلميةً جديدةً تُوحِي بأفكارٍ أُخرَى..
■ استِنتَاجٌ وتَصَوُّر…
الخَيالُ العِلمِي عِندَنا ما زال في مَرحلتهِ التّأسِيسيّة.. غيرُ مَقروءٍ بالكثَافةِ المَطلُوبة، ويُتوَقّعُ أن يكُونَ أكثرَ إلهامًا وتأهيلاً لأنْ يَتَطوّرَ إلى سُرعَتِهِ القُصوَى في وقتٍ لاحِق، اعتِبارًا لِما يَلِي:
1- عُلومُ الفَضاء ما زالت تَحظَى بالسّبقِ في تَنافُساتِ باقي العُلُوم على نُجُوميةِ "الخيال العِلمي".. والسَّببُ هو استِقطابُ العُلوم المُستقبَلية على أحداثِ الفضاء.. وفي الفَضاءِ تتَنافسُ وتتَزاحَمُ الدّولُ الكُبرى، وخاصةً منها التي تتّخِذُ من التّكنولوجيا المُتطوّرة أحلامَ الرّيادةِ الحَضاريةِ في العالم.. ونحنُ ما زِلنا تابعِينَ مُستَهلِكين.. وهذا ظرفٌ غيرُ دائم.. ظَرفٌ مُؤقّتُ سوفَ نتَجاوَزُهُ عِندَما نكُونُ نحنُ أيضا مُجتَمعًا قارئًا، عِلمِيًّا، مُنتِجًا، في المُستَوى العالمِي… وهذا وقتٌ قادِم..
2- المَغربُ مُؤهّلٌ لأنْ يَلتَحِقَ بنُخبَةِ "نادِي الفَضاء"، وأنْ يكُونَ له حُضورٌ بمَداراتٍ حَولَ الكُرةِ الأرضية.. وهذه المَواقِعُ تُؤهّلُه لأن يكُون - مع الوقت - مُنتِجًا لمَشارِيعَ فضائية، منها تأهيلُ رُوّادِه للفضاء، وتجهيزاتٌ لإطلاقِ أقمارٍ اصطِناعية، ومُشارَكتُه في مَحطّاتٍ مَداريّة.. ولنا طُمُوحٌ لِتَثبِيتِ آلياتٍ فَضائيّة، بعدَ بِنيَتِها الأساسية على سطحِ الأرض.. ولنا أيضًا عُلماءُ في تَخصُّصاتٍ مُتَنوّعَة.. وهُم مُتمَيّزُون في مَجالاتِهم بالدّاخِلِ والخارِج.. ولنا مَشارِيعُ أُفُقيّةٌ وعَمُوديّة، لتَطوِيرِ تَجهِيزاتِنا ومَنتُوجاتِنا، في إطارِ عَلاقاتِنا العالَمية، وِفقَ ما تَقتَضيهِ مَصالحُنا المُشتَرَكة، ومِنها التّحكُّمُ والتّدبيرُ بشكلٍ أدَق، في سِباقاتِنا الفضائية..
3- نحن مُنشغِلُون حاليّا بإقامةِ بِنيَةٍ تَحتِيّةٍ بَشريّةٍ وتَجهِيزيّةٍ منها مَدارِسُ عُليا تِكنُولوجيّةٌ مُتنوّعة، وذاتُ أبعادٍ مُستَقبَلية.. وهذه فيها ما هو مَوجُود، وما هو في طُور الإعداد.. أوراشٌ تتَأهّلُ لإنتاجِ تَصوُّرات، وِفقَ احتياجاتِ البلد.. وستَكُونُ لدى استِكمالِها أرضيةٌ لتَنشئةِ أجيالٍ جديدةٍ من العُلماء المُؤهّلين للتّكوينِ في تَخصُّصاتِ الخيالِ العِلمِي، وخَلقِ أفكارٍ تنمَوِيّةٍ في مُستَوَى تطوِيرِ بلادِنا، اقتِصاديّا واجتماعيّا وفي مُستَوياتٍ أخرى…
4- المَغربُ ذُو رُؤيةٍ مُستَقبَليّة سوفَ تتّضِحُ مَعالمُها أكثرَ فأكثَر، من خلال تفاعُلاتِ الأجيالِ الجديدة التي تلِجُ مُؤسّساتِ التّكوينِ بمُختلفِ اختِصاصاتِ المَدارسِ العِلميّة.. وهذا التّوَجُّهُ لا يُلغِي الشّقَّ الأدَبي.. العُلومُ وحدَها لا تَكفي.. لا بُدّ من الشّقّ الثاني - وهو الأدَب - لإنتاج "الخيالِ العِلمِي" القادرِ على التعامُل مع مُتطلّباتِ الغَد..
5- وهذا يَستَوجبُ ربطَ التكوينِ والتأطير بالإنتاج التّكنُولوجِي.. وعلينا بتَخصِيصِ مَقاعِدَ للخيال العِلمِي في التعليم العُمومي، منَ الابتِدائي إلى العالي، فإلى التأطيرِ والتّكوينِ الميداني.. فإلى تَخصُّصاتٍ في "شُعبةِ الخيالِ العِلمِي".. وإلى هذا، إقامةُ مُؤسّساتٍ للمُراقبةِ والتّتبُّع، مِن أجل ضبطِ مدَى جَودةِ وفَعاليةِ المَردُوديّة.. وهذا هو البُعدُ المُستقبَلي، بشَراكةٍ مَيدَانيةٍ مع أدَبِ المُستَقبَل، وهو الخَيالُ العِلمي المُلهِمُ لهذا المُستَقبَلِ المُنتِج، في كل ما هو ابتِكارٌ واختِراعٌ واستراتيجياتٌ تدمِجُ العُلومَ مع بَعضِها، لإنتاجِ تَصوّراتٍ جديدة.. عندَها نكُونُ في خِضمّ السّباقِ مع المُستَقبَلِ القريب، في اتّجاهِ حَلباتِ مُستَقبَلٍ بَعِيد..
6- كلُّ الابتِكاراتِ الكُبرَى في العالَم بدَأت بالخيالِ العِلمِي.. وفي تَجربةِ عبدِ ربّه، ابتِكاراتٌ كانت خيالاً في كتابي "غدًا"، وفي نُصُوصِي الأخرَى المَنشُورة، وأصبحَت اليوم أدواتٍ تُباعُ في الأسوَاق.. وكثيرٌ من أحلامِ الخيال العِلمي، ومنها ما كتبَه Jules Verne في قِصّتِه التي تدُورُ حولَ رٍحلةٍ "منَ الأرضِ إلى القمَر"، تَبَنّتهُ وكالةُ الفضاءِ الأمريكية "نازا" في تصمِيمِ شاحِناتِها الفَضائية.. وكلُّ الآلياتِ الفضائيةِ العامِلة في الوقتِ الرّاهِن، هي نِتاجُ الخيالِ العِلمِي لرُوادِ الأمس.. وإنّ خيالَ اليوم، هو في مُجمَلِه واقِعُ الغَد.. والسّفرُ إلى الفضاءِ لم يكُن في الماضي إلاّ في الخيالِ العِلمِي، وها هو الفضاءُ يُلهِمُ مُختلِفَ المَجالاتِ الاقتِصاديّة، وحتّى السّياحة وغَيرَها في مَجمُوعتِنا الشّمسية..
7- الخيالُ العِلْمِي أصبحَ ضرُورةً في المَسار المَغربِي.. وجُلُّ التّطوُّرات العالَمِيّةِ الكُبرى - حاليًّا - بَدأت من الخيالِ البَشَرِي..
ولم يعُد أحدٌ يُشكّكُ في "الجاذبيّة" التي رآها خيالُ "إسحاق نيُوتن".. ولا في الطّيران الذي انطَلَقَ من خيالِ "عبّاس ابنِ فرنَاس".. الخيالُ لا يَنضُب بأفكارٍ مُؤهّلةٍ لأنْ تتَحوّلَ إلى مَشارِيعَ تنمَويةٍ كُبرَى في العالم..
والتطَوّرُ الذي سيَحصُلُ في "الخيالِ العِلمِي"، سوفَ يَجُرُّ خَلفَهُ كلَّ العلُوم.. وتُصبِحُ القافِلةُ الصغيرةُ قافِلةً طويلةً عالميّة.. والتّطوُّرُ عندَها لن يَستَثنيَّ أحدًا..
8- "شُعبةُ الخيالِ العِلمِي" التي نحنُ مُقبِلُون عليها - وهي أكثرُ دِقّةً - سوفَ تَضبِطُ أحوالَ كل التخصُّصاتِ العِلمية.. وعلى الصعيدِ العالمي، سوفَ تُغيّرُ الخريطةَ بأفكارِها الجدِيدَة، وتَصوُّراتِها.. وسوفَ تُنشَأُ شَرِكاتٌ مَحَليّةٌ وعالمِيّةٌ للاستِثمار في مُختلفِ المَجالات، اعتِمادًا على أدمِغةِ رُوّادِ الخيالِ العِلمِي.. والسياسةُ سوفَ تَلجَأ إلى هذه العقُولِ بالذّات، مِن أجلِ ابتِكارٍ أفكارٍ جديدة، بتَعاوُنٍ معَ كفاءاتٍ تِقنيّةٍ أُخرَى..
9- المَطلُوبُ خلقُ أجواءٍ وفضاءاتٍ لإلهامِ أجيالِنا الصّاعِدة.. وفي هذا السّياق: تَشجِيعُ الإنتاجاتِ السّلميّة، نظرًا لِكَونِ الخيالِ العِلمي ذا قِيّمٍ لتَحقِيقِ التّعايُش السّلمي بين البَشر.. ولا تكفي البِنيةُ التّحتيّةُ والأوراشُ المُمكِنةُ لحياةِ الغد، على الأرضِ وفي الفَضاء.. علينا بالاشتِغالِ على خيالٍ عِلْمِي يَرسُمُ مَعالِمَ السّلامِ العالَمِي، والسلامِ في إنتاجاتِ الأفلامِ السينمائية، لطَمأنَةِ وتهدِئةِ البشَر..
10- كفَى من العُنفِ في الخَيال العِلمِي! أفلامُ العُنفِ استِهتارٌ بنَفسيّةِ الناس.. وَجبَ العَملُ في أيّ إنتاجٍ إعلامِي على ثقافةِ السّلام: السّلامُ في النُفوس، والسلامُ مع البيئةِ الطّبيعيّة..
11- المَغربُ يستَطيعُ أن يَشتغلَ في هذا الاتّجاه، بفَعاليةٍ أنجَعَ للمُستَقبَلِ المُسالِم.. الرّفضُ لأيّ خَيالٍ عِلمِي تطغَى عليه الأسلحةُ الذّرّية.. ولا يجُوزُ نَقلُ تعقِيداتِ وصِراعاتِ الأرضِ إلى مَداراتِ الفَضاء.. ولا أَمْنَ للأرض، إلاّ بالأمنِ في مَداراتِ مَجمُوعتِنا الشّمسيّة..
12- هذه أخلاقياتٌ يُمكِنُ أن تكُونَ واقِعًا مَلمُوسًا في تَواصُلِنا وتعامُلِنا وفي ثقافاتِ خيالِنا العِلمي.. إنه بهذه الرُّؤية، سيَكُونُ إيجابيّا.. ورياضةً مِخياليةً لتأسيسِ نَمُوذجٍ تعايُشِي، سِلمِي، مُسالِم.. وهذا السّلامُ ليس كلامًا.. السّلامُ واقِعٌ مُمكِنٌ جِدًّا.. ومعَكُم جميعًا، بَدءًا مِن كَوكبِ الأرض، وامتِدادًا إلى كلّ أرجاءِ أُمِّنا الشّمس!
■ رَسائلُ من "الخيالِ العِلمي":
• ليسَ خَيالاً للاحتِقان.. خيالٌ يَهدِفُ لاِستِتبَابِ السّلامِ في العالَم.. إنهُ الغَدُ المُتوقّعُ في مُختلفِ المَجالات.. هذا أدبُ المُستَقبَل.. وتَوَجُّهٌ تعايُشِي إيجابِي بين الناس.. يُقدّمُ أفكارًا وتوَقُّعاتٍ جديدة.. ويُحَذّرُ من المُنزَلقات..
عَلّمُوا أبناءَكُم قِيّمَ التّعايُشِ والتّعاوُن والتّشارُك والتّآزُر، لِما فيهِ مَصلَحةُ الإنسانية.. وأهمّيةُ الاستِقرار.. وأنْ لا تنَميةَ بدُونِ استِقرارٍ اجتماعي وسياسي وثقافي..
• تَنشِئةُ أجيالٍ تَحمِي البيئةَ الطبيعية.. وتُحسِنُ التّفكيرَ الفَردِي والجَماعِي في مَواردِ الهَواءِ الطّلق.. وتُتقِنُ استِعمالَ أدواتِ العَقلِ الحَكِيم، والحِكمةِ العاقِلة.. وتُراهِنُ في سُلُوكاتِها وتَدابِيرِها - المَحَلّيةِ والوطنيةِ والعالميّة - على خَيرِ الجَمِيع..
ضعُوا حدّا للاحتِلالات.. وحَدًّا للحُروب.. وحدًّا لتِجارةِ الاقتِتالاتِ والاعتِداءات.. وحدًّا لتجارةِ الأوبِئة.. والمُخدّرات.. والعَبَث…
• ودَرّبُوا الأجيالَ الصاعِدةَ على رياضةِ "الخيالِ العِلمِي" البَنّاء.. وعلى رَبطِه بالإنتَاجِ والاختِراعِ والصّناعات، لكي يكُونَ "الخيالُ العِلمِيّ" ثقافتَنا العُمُوميةَ الحافِزة..
• عَلِّمُوا "الخيالَ العِلمِي" في المَدارسِ والجامِعات، لتَنشِئةِ أجيالٍ لا تُفكّرُ لنَفسِها فقط، بل للإنسانيةِ جَمعَاء..
وبدُونِ عَقلٍ مُتَوازِن، لا أحدَ في سَلامٍ عاقِل..
وهذا "الخيالُ العِلْمِي"، بهذه الأبعَاد، ليست له حدُود.. هو بيتٌ يَحتَضِنُ جميعَ النّاس.. ويَعمَلُ لِما يُفِيدُ الجَميع..
ويَسعَى لتأطِيرِ الفِكرِ المُجتَمَعِي وللتّفاعُلِ مع إيجابيّاتِ الخيالِ العِلمِي الذي هو يَملكُ مَفاتيحَ تَنميةِ الإبداعِ المُستَقبَلِي.. السّلامُ مِنَ الجميع، مع الجمِيع، لفائدةِ الجميع…
• هذا طُموحُنا..
وانتِشارُ هذه الثّقافةِ الجماعيةِ المُشتَرَكة، سيَكُونُ نِبراسًا لمَصلحَةِ البَشَر، ومُنتِجًا لخَيالِ الأدب، وخيالِ العُلوم، ومِن ثمّةَ هو مَنارةٌ في رُبوعِ بلادِنا، مِن أجلِ إبداعِنا المُستَقبَليّ، على الأرضِ وفي الفَضاء..
• وهذا "الخيالُ العِلمِي"، بهذه الأحلامِ الجميلة، يَرسُمُ مَعالِمَ الأمنِ والأمانِ على الأرضِ وفي مَداراتِ الفضاء.. وعلينا بالاشتِغالِ على استِتبابِ أمنِ الفَضَاء..
وأَمنُ الفَضاءِ مِن أمنِ الكُرةِ الأرضيّة…